أن تكون للغة هُوية !
مما أثار الجدل منذ أعوام طويلة هل اللغة هي الهوية؟ أم الهوية هي اللغة؟ ولايزال الجدل مستمرًا حتى يومنا هذا
ومابين هذا وذاك أظهرت بعض النظريات المنطقية أن اللغة تمثّل جزءًا من هوية الإنسان، وليس أي جزء فحسب، بل هي الجزء الأهم! حيث أنها تمثّل شخصية الإنسان ثقافته ومعتقداته وبالأصح هي المخزن الذي يختزن فيه الناس تاريخهم ليبنوا به مستقبلهم.
تكوين اللغة لشخصية الإنسان
إن اللغة مكوّن رئيس لشخصية الإنسان معرفيًا وروحيًا وعاطفيًا بالإضافة أنها تتبنى فكر وذكاء وسلوك الإنسان، فهو منذ ولادته يسمع رموزًا وكلمات ويخزّنها في عقله، حتى يزداد ذلك المخزون ويبدأ بالانعكاس على سلوكه وردات فعله في كثير من المواقف والأحداث التي تحدث في حياته بغض النظر إن كان سلوكًا صحيحًا أم خاطئًا كمَن يردد عبارات ويطبقها معتقدًا أنها مفاهيم صحيحة كونها قد تكونت في مخزونه ولكنها على النقيض من ذلك، وهذا يبيّن أن اللغة تستحق أن تكون محل اهتمام عظيم حيث أنها أساس تشكيل شخصية الإنسان وسلوكه وصنع هويته ويتبرمج العقل عليها في ظل غياب الوعي.
تأثير اللغة على الشخصية
اللغة كون فسيح، احتوت على الكثير من الثقافات والناس و المشاعر والأفكار و المعتقدات على مر العصور ومازلت تغرق في أعماقها وتكتشف عوالم جديدة في داخلها!
أثناء الإبحار في اللغات لاتفتأ تكتشف شيئًا جديدًا يذهلك، مثلًا يمكن للغة أن تكون محفّزًا عاطفيًا أو نفسيًا حتى لمن يتحدث بلغتين مثل أن تتغير شخصية الفرد وأفكاره حسب اللغة التي يتحدث بها.
"أجريت دراسة عن أراء المشاركين السياسية لمتحدثي اليابانية والإنجليزية وعندما أجابوا عن الأسئلة باليابانية كان المتحدثون أكثر تحفظًا من الإنجليزية حيث كانوا أكثر ليبرالية وتفسير هذا أن اللغة مرتبطة بالثقافة فعند تعلمنا لمفردات جديدة في لغة معينة نستقيها من سياقها الثقافي culture context وترتبط المفردة بهذه المعلومات"
الفكر السياسي تجاه اللغة
أدرك السياسيون أهمية اللغة منذ المراحل المبكرة للتوسع في الاستعمار، فكان المستعمِر يستخدم لغته لإضعاف لغة المستعمَر وذوبان شخصيته ومن خلال ذلك يستطيع السيطرة على المجتمع.. وكل ذلك عبر لغة!
وأخيرًا على الرغم من استقلال البلد من المستعمِر إلا أنها تبقى تحت وطأته ثقافة ولغة.
القيمة المعنوية للغة
تمثّل اللغة الشيء المعنوي والروحي لانتماء الإنسان لعرقه وثقافته، فتجده حينما يرى من يتحدث بلغته يشعر بالارتياح والطمأنينة ولا يشعر بحرية التعبير إلا حينما يتحدث بها ويعبّر عن عمق قلبه دون تكليف نفسه عناء شرح ذلك بكل تفصيل وتلامس قلبه الكثير من العبارات والكلمات في لغته بينما لو كانت في لغة أخرى لما أثرت فيه ذات التاثير.
قال في ذلك الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر :"إِن لُغتِي هِي مسكنِي؛ وهي موطني ومستقرّي؛ وهي حدود عالمي "الحمِيمِ ومعَالِمِهِ وتَضَارِيسِه، ومِن نوافذِها ومِن خِلال عُيُونِهَا أَنظر إِلَى بقيّة أَرجاء الكونِ الواسِع.