التحرر من قيد الغل
إن الأذى هو السوء أو المكروه الذي أصابك وهو أيضاً ما يبقيك متقوقعاً وبعيداً عن المجتمع إن لكُل داءٍ دواء فداءُ الأذى هو العفو عند المقدرة والتجاوز للمضي سعيداً في رحِبِ الحياة.
عندما كُنت في السادسة بعد العشرين من عمري تكاثفت من حولي الغيوم و المحن و تدمرت حياتي كُنت قد بدأت للتو في الدراسات العليا و كنت مشغولاً في الأسفار بين ريتشموند فيرجينيا و العاصمة واشنطن لأن زوجتي المصونة كانت تنهي دراساتها العليا بين مدن مختلفة و في ليلة من الليالي بإحدى تلك الرحلات كنت أهندمُ الملابس فإذا بورقةٍ مكومة في قاع المجفف وكانت رسالة موجهةُ لزوجتي المصونة وكانت من أحد زملائها في الصف وهي كالتالي : "يجب أن نغادر في أوقات متفاوتة وبعدها ألقاكِ في المكان الموعود" وعلى الرغم من أنني تأكدت بعد بضع أشهر بأن زوجتي المصونة أو عفواً من ظننتها مصونة على علاقة غرامية محرمة إلا أنه بالنسبةِ لي كان خبراً صاعقاً كان كوقع السيفِ المٌهند لقد شعرت بالخيانة والخداع بالسخرية والاستغفال أصبحت كالبركان في غضبي ولقد لازمني هذا الشعور على مدى أيامٍ و شهور لقد كُنت في حالة ارتباك وانهيار وفوضى ودمار ممزوج بحالة إنكار تلك الأخبار وتم الانفصال دون طريق واضح أو هدفٍ محدد.
وعلى الرغم من أن هذا الألم لهُ وطأٌ شديد على النفس ألمٌ لم يسبق لي الشعور به إلا انني متيقن بأنه لستُ وحدي من أعاني فالعديد من البشر قد يكون مرُ بما هو أسوأوأبشع في حياتهم مما حصل لي فعندما تنخرط مع المجتمع وتواجه أنواعاً منوعة من البشر فحتماً سوف تتعرض لبعض من الأذى أو الإهانة المصحوب بالخيانة.
نحن البشر غالبا ما نعاني صراعا مع كابوس الظلم وصعوبة العلاقات وإن إحدى الطرق التي طورها واتسع فيها الإنسان وجعلها دواءً لداء الأذى هي العفو ولكن ما هوالعفو؟
لقد كانت تلك التساؤلات التي شغلت تفكيري في فترة انفصالي لقد كنت ادرس في كلية الدراسات العليا في جامعة فيرجينيا كومنولث وكان عالم النفس السريري ايفريت ورثينجتون ينصحني بالعفو إن ايفريت هو أحد اثنين من الرواد في علم نفس التسامح و منذ أول لقاء بيننا نور بصيرتي اتجاه التسامح و تحديداً من المنظور الأكاديمي وتركت مكتبه بعد أول لقاء لنا مع كومة من الأوراق لمراجعتها و ها أنا الأن أصبحت أحد الأخصائيين النفسيين المرخصين وأستاذاً في علم النفس الإرشادي في جامعة ولاية ايوا واخترت أن أُبحر في تخصص التسامح تحديداً في أماكن العلاج النفسي .
لقد وضح لنا العمل المبكر الذي قمت أنا ورثينجتون والأخرون به وهو: ماذا لو لم يكون التسامح موجوداً؟ لقد كان لعالم النفس روبرت انرايت من جامعة ويكرنسن ماديسوندوراً فعالاً في هذا العمل على سبيل المثال لا الحصر لقد فرق هو وزملائه بين بعض من المصطلحات التي يظن البعض أن لها نفس المعنى ألا وهي :(التسامح و العُذر والتجاهل) و أكدُ أنه لا يوجد تسامح حقيقي ما لم يوجد جرح عميق أحسب الناس أن يتركوا أن يقولو عفونا وهم لا يُجرحون ؟ ولنضرب مثلاً في المراجعين الذين وصفهم انرايت والأستاذة سوزان فريدمان من جامعة شمال ايوا و التي كانت أحد طالباته لقد وصفو في كشوفهم مصطلح (الناجيات من التحرش الجنسي من قبل الأقارب في مرحلة الطفولة) ولكي تتم عملية العلاج بشكل صحيح عن طريقة التسامح يجب اتباع أول خطوه والأهم ألا وهي (الاعتراف) بالأذى الحقيقي الذي تعرضن له في طفولتهن.
إن التغاضي و الإنكار ليس بالمغفرة و الصفح بل هو مجرد هروب.
وبعد إتمام الخطوة الأولى فعليك التحلي بالصبر والمضي قدماً في مرحلة العلاج ومن قالَ إن الصفح ضعفٌ؟ ألا إنه هو الخيارُ الأصعبُ ولكن على مدار أيامٍ و شهور و عن طريق الاجتهاد الشخصي لقد تمكنت النساء المذكورات في الدراسة التحرر من قيد الغل وتحقيق مستويات رائعة من السلام واتخاذ القرار الصائب نحو ما مررن به من أذى.
وهنالك قضية رئيسية أخرى ظهرت بسرعة في البحث ألا وهي ما إذا كان (الصُلح) بحاجه إلى أن يكون جزءًا من (العفو)؟ بالنسبة للعلماء والمعالجين مثلي المهتمين بمساعدة الناس على التحرر عن طريق العفو وتحديداً العفو عن تلك الأذية المؤلمة كالخيانة الزوجية أو سوء المعاملة فالصلح ليس مرتبطاً بالعفو إن العفو أو ما يسمى المسامحة هي عملية داخلية نفسية وحدك أنت من يستطيع إدراكها وفعلها فهي عملية داخلية تقتل كُل الأذى النفسي و تملئ فؤادك برداً وسلاماً وتنقلك الى عالم الرضى والإيجابية بعيداً عن كُل تلك الغيوم الرمادية وتحديداً الرضا التام نحو الشخص المسيء وحتى أنه قد تتحول إلى مشاعر حب وعطف.
بينما الصلح هو مجرد عملية خارجية يعيد الناس من خلالها الثقة مع من أساء إليهم.
وإن هذا التميز كان أحد العناصر الأساسية في شفائي.
وعلى الرغم من أهمية هذا التميز إلا انه لا يعني أن الصلح أقل أهمية فهن أجزاء تتجزأ لكنها تبقى تُكمل بعضها البعض ولكن الصلح بشكلٍ عام هي عملية آخرى منفصلة تماماً كُل الانفصال عن العفو ولكنها مهمة وذات قيمة.
إن التفريق بين هذين المصطلحين كان كالبلسم على فؤادي في أيامي العجاف أو بالأصح فترت انفصالي وعلى الرغم من الأذى والألم الممزوج ببعضٍ من الغضب
إلا انني كنت أعلم أن قلبي سوف يلين و يعفو لأنني أريد المضي قدماً ولا أريد هذا الكابوس الماضي أن يكون سبباً في دمار مستقبلي أو حتى علاقاتي العاطفية و لم أُرد أن أحمل على عاتقي كُل هذا الألم بقية حياتي ولكن كان هاجس الخوف عندي في مسألة العفو هو الصلح و مواجهة زوجتي لقد كُنت أظنُ أنهُ في حال لم يتم الصلح فلا مكان للعفو أو مايسمى المسامحة وسوف يلازمني هذا الشعور بالغضب ولكن بعد إدراكي و فهمي و تمييزي لهذين المصطلحين ظهرت لدي العديد من الخيارات أدركت أن القرار بيدي وحدي قرار ما إذا أردت البدء بالمسامحة أم الصلح .
لقد تم إجراء عملية مماثلة للعديد من العملاء الذين عملتُ معهم وعلى سبيل المثال لا الحصر أتذكر تلك الراحة النابعة من قلوبهم والظاهرة على وجوههم بعدما عرفوا الفرق بين العفو والصلح ولقد كان أعضاء هذه المجموعة يتصارعون مع جرائم و مختلفة منها الخداع عن طريق العاطفة و الكلام المعسول و سرقة آلاف الدولارات ولقد كانت هذه الخدعة تتنكر بثوب الحب و بعد التوضيح والمناقشة حول قضية الفروقات بين (الصلح و العفو) و تأثيره في حياتهم لقد شعروا بعدها براحة في أنفسهم و كأنما ازيح عن عاتقهم حجراً كاد أن يثني أعناقهم ولقد كان هنالك حرية اختبرها الأعضاء و التي فتحت حواراً و نقاشاً و مهدت لهم طريق التسامح بصورة جيدة ومتنوعة.
ولنضرب مثلا في جو (الاسم المستعار) كانت تعاني من أذى خطيبها الذي سرق منها
(١٠،٠٠٠ دولاراً) ومن ثم اختفى ولكنه لم يصبح نسياً منسيا بالنسبة لها ومن الواضح أنه لا يوجد طريقة لصلح حتى لو أرادت هي ذلك ولكن مع هذا التميز والتفريق بين مصطلحي (الصلح و العفو) تمكنت جو من المضي قدماً و التحرر من هذا الشعور.
ومن ناحية أخرى لدينا ماريا، التي كانت تعمل على مسامحة ابنتها البالغة على الأذى الذي ارتكبته ولكنها كانت مهتمة جداً بالحفاظ على علاقتها مع ابنتها وكانت مهتمة جدا بالصلح وساعدها فهم الاختلاف بين المصطلحين على الرؤية الواسعة بأنها تستطيع العمل على كلٍ من التسامح والصلح بطرق مختلفة للمساعدة في تحسين علاقتها مع ابنتها.
وبشكلٍ عام إن الفهم الصحيح يساعد ابن أدم على تقبل التسامح ويفتح آفاقاً أخرى للشفاء والنمو ولكن كيف يعمل وبأي طرق يمكن للناس استخدامه لمصلحتهم الخاصة؟
لقد قضيت وقتاً طويلا في مسيرتي الأكاديمية ابحث عن ضالتي وهي الإجابة على هذا السؤال تحديداً و درست طرق مساعدة الناس على العفو و التحرر من عدم الصفح ولا يزال هذا العلم حديث العهدة ولكن يبدو أن هناك مجموعة أساسية مشتركة من التدخلات التي توفر أكبر قدر من مساعدة الناس على التحرر من قيود الأذى.
أولا هناك عملية نفسية حقيقية و مجربة ألا وهي مشاركة آلامك تحت إطار آمن مع أفراد لن يقوموا بالحكم المباشر عليك.
و إن جميع الأسس التي ينص عليها الغفران يتبعها أيضاً مشاركة الهموم وهذه العملية وافرة جداً في المجموعات حيث أن الأعضاء يتشاركون الهموم و الآلام وحتى الأحزان، ولكن هذا لا يمنع بأن الشفاء الفردي فعال أيضاً وهو يكون من دون تدخل أي أطراف أخرى يحاولون إثارة المشاعر السلبية كقول " يا إلهي هل فعل هذا؟ إنهُ أسوأ شخص في العالم".
إن العديد من المشاركين يخبروننا بمدى فاعلية برنامج التسامح و أنه برنامج مفيد قائم على مشاركة الهموم و الأحزان و كما يقال الموت مع الجماعة رحمة يمكن للأعضاء من التحدث بأريحية تامة وفهم مشاعر الطرف الأخر وهذا قد يكون مريحاً نوعاً ما.
ويمكن فهم رد الفعل هذا نظراً لمدى صعوبة التحدث عن الأيام العصيبة التي تتعرض فيها لذل والإهانة فالبعض يصعب علية التحدث في مثل هذه الأمور فهي مواضيع حساسة وقد تمس شموخ الإنسان وكرامته وإن أقلية من الناس هم الذين يستطيعون المشاركة و سرد آلامهم وأحزانهم.
و ذكراهم وتحديداً الذكرى التي يخشى البعض مواجهتها.
وإن هذه القصص تحمل بين ثناياها الكثير الكثير من الضعف الذي يرتبط بالخزي والعار بالنسبة للبعض و قد يكون عند البعض الآخر مجرد هروب فلا يريد أن يتذكر أو يواجه الأحزان والأذية التي تعرّض لها في حياته و يمكن للتدخلات المعنوية التي لا تعتمد على معرفة تفاصيل وأحداث الحادثة والموقف أن تكون مفيدة بقدر غيرها من العلاجات النفسية فهي تحقق الدعم و الثقة.
وبعد إعادة سرد القصة بشكل شامل إن بعض التدخلات توفر منظوراً آخر للقصة كمنظور الجاني و في الغالب يكون الهدف هو مساعدة الناس على تطوير التفاهم أو حتى التعاطف مع الجاني أو المذنب كما يدّعون و إن لتعاطف قوة مهولة كقوة الأذى أحياناً.
ثلاث سنوات من السنين العجاف تابعت الطلاق ومضيت في
رحلة التسامح
عندما يقوم الموضوع بشكل جيد و صورة واضحة فإن هذا الجزء من التدخل يساعد الأشخاص على توسعة حلقة الوعي المحيطة بهم واكتساب منظور جديد مختلفا ويمكنه أيضاً أن يعطي تفسيراً آخر للإساءة غير النظرة التقليدية بأنهُ شخص شرير يحاول الإطاحة بك وإيذائك فإن تبَّني وجهات النظر المختلفة تضيئ النور لدروب المغفرة والصفح و من الأمثلة الممتازة على ذلك عمل فريدرك لوسكين مدير مشروع ستانفورد للتسامح وأيضاً القسيس بايرون بلاند وهو قسيس جامعة بالو ألتو.
إن في عام ٢٠٠٠ ميلادي جمعوا بين طائفتين مسيحيتين ألا وهم مذهب (البروتستانت ) و مذهب (الكاثوليك) من إيرلندا الشمالية وجميعهم فقدو أفراداً من عائلاتهم بسبب العنجهيه الطائفية وتم تقديم تجربة العفو لمدة أسبوع في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا وكان جزءًا كبيراً من تلك التجربة هي رؤية الطرف الأخر من حدقة الإنسانية بعيداً كل البعد عن أي منظور آخر ومن ثَمَّ استعمال تلك العاطفة النابعة للمسامحة و التسامح و كما ذكر لنا أحد المشاركين الذي فقد والده :" لقد شعرت بالاستياء من الكاثوليكلسنوات عديدة و أيامٍ مديدة حتى جئت هنا إلى ستانفورد "
ولكن إذا تم إجراؤها بشكل سيئ أو بطريقة مبالغة فإن السحر سينقلبُ على الساحر ولن يكون هنالك إلا اللوم و العتب على الذات ودفع أولئك الذين تعرضوا للأذى بالتشكيك في مشاعرهم أوالتقليل منها أو حتى السماح للآخرين بإيذائهم مستقبلاً و إن أصعب جزء في هذه العملية هي مساعدة الناس على التعاطف مع الاحتفاظ بشرعية ألامهم وجروحهم أثناء اكتشافهم لوجهات النظر الأخرى فإن المغزى من هذه العملية هي مساعدة الناس على تبني وفهم مشاعرهم على أنها ردود فعل مبررة حتى بعد أن وضحت لهم فكرة و منظور الجاني إن هذا الفهم يستغرق غالباً وقتاً طويلاً ولا يجب الاقتراب منه إلا بعد مرور فترة طويلة على المخالفة ويعتمد مقدار الوقت أيضاً على معطياتٍ أخرى كشدة الأذى والعلاقة التي كانت بين الطرفين المسيء والمستاء.
و في رحلتي إلى التسامح استفدت كثيراً من مشاركتي لما تعرضت له من أذى و محاولة لتغذية مهارة التعاطف و لقد تلقيت وقتها الكثير من المساعدات سواءً من الأهل أوالأصدقاء أو حتى من مستشارين سمعوا بقصتي و طلبوا تقديم المساعدة من دون أي حكم مسبق على أفعالي ولقد كانوا لي الأذن المصغية و بلسم الجروح و منحوني حرية التعبير دون أي حكم مسبق ولقد كان صديقي هو من أشُد به أزري ، وتحمل مني الكثير من الأعباء فلقد خططنا لقضاء رحلة شاطئية قصيرة معاً وكانت في نفس ذلك الصيف المشؤوم الذي كشفتُ فيه خيانة زوجتي المصونة و بعد اتفاقنا على الرحلة واجهت زوجتي قبل ذهابي مباشرة فاعترفت بذنبها لأول مرة.
ولقد أمضينا يومين على الشاطئ في نورث كارولينا وأمضيت تلك الأيام وأنا مرتبك غاضب إن غضبي سهلٌ وصعبٌ كتمه وأرى الجبارَ من لا يغضب ُ لقد كُنت أشارك قصصاً تلوى الأخرى عن الظلم و البهتان وعن الخداع والتضليل الذي أدركته الآن و لم يكن موقف صديقي إلا أن كان صابراً هادئاً ولو حملت الجبالُ ما حملهُ صارت دكاً ومازلتُ لليوم أتعجبُ من صبره و لكن بالنسبة لي كان هذا كالتطهير المبدئي الذي ساعدني للوصول إلى مرحلة العفو النهائي أو مرحلة التحرر من قيود عدم الغفران.
و إن المحطة الرئيسية الثانية من رحلة التسامح كانت (محاولة التعاطف مع زوجتي) وهذا بالطبع لم يحدث فوراً إنما في الواقع لم أستطع الحصول على هذه النظرة الثاقبة و الآفاق العالية إلا بعد مرور سنوات و لقد أوجب هذا الموضوع مسافة بعيدة حتى يحظى بنظرة منصفة وحتى أكون متواضعاً ولا أُبهت تضحياتها التي كانت في علاقتنا لقد رأيت نفسي بعينها لقد رأيت كيف شعرت أنها محاصرة من قلبي و كيف كان إصرار أهلها و أصدقائها على هذه الزيجة التي قد تكون مطلباً للبعض ولكن بالتأكيد لم يكن مطلبها هي على الإطلاق لقد رأيت كيف أن المجتمع كان أقوى منها في القرار .
وبعد ذلك أصبحت أشعر بها وبالضغط الذي مرت به ولقد أدركت أنه ربما لم تكن تنوي لي شراً إنما فقط شعرت أنها محبوسة وعالقة فاستجابت لأمر الهوى، وبعيداً عن هذا الموضوع شخصياً فأنا حقا تمنيت ُ لها السعادة وآمل أن تعيش حياةً هانئة و في نهاية المطاف اخترتُ العفو ولم اختر الصلح و بعد ثلاث سنوات من عثوري على تلك الرسالة لقد قررت متابعة إجراءات الطلاق و وصلت لنشوة السلام الداخلي.
وبالإضافة إلى مساعدة الناس على مسامحة الآخرين لقد بدأ الباحثون أيضًا في استكشاف طرق عديدة لمساعدة الناس على مسامحة أنفسهم وطورت أنا ومارلينكورنيش أخصائية علم النفس الاستشاري بجامعة أوبورن في ألاباما أحد هذه التدخلات بناءً على نموذج واسع من أربع خطوات وهي تشمل الخطوات مثل: المسؤولية، والندم، والترميم، والتجديد ولقد ركزنا هي هذا التدخل على مساعدة الأشخاص الذين يحملون شعور بالدنب لإيذاء الناس.
و إن الأسلوب العام لمنهجنا هو مساعدة الأشخاص على تحمل مسؤولية أفعالهم السيئة وتحديد الطرق التي تساعدهم على ذلك ويتحملون فيها مسؤولية ألم الشخص الآخر، ومن مبدأ هذا المنطلق يتم تشجيعهم على البوح بالندم الذي يصاحبهم و إن لمن الصحي أن نتحمل مسؤولية أخطائنا و أن نعترف بها فالعصمة لا تكونُ إلا لنبي ومن هذا المنطلق يمكننا المضي قدماً واستعادة المبدأ والضمير الذي قد يكون اندثر من شخصيتهم عند إيذاء الآخرين و إن الشخص قادر على التطور والتجدد و يُفهم من هذا أنه يمكن لشعور بالذنب أن يكون حافزاً لإعادة النظر في النفس و إعادة تقديرها والرفق بها وهذا التجدد يكون فقط بعد الجريمة والعقاب ولكن بمجرد القيام بذلك فمن الجيد أن يتجدد الشخص ويقدر ذاته فدللّ نفسك وحن عليها ولاتكُن جالب الهمومِ إليها و إن كان قد مسك الزمنُ بضر لاتكُن أنت والزمنُ عليها
تصالحها مع ذاتها ساعدها على مواجهة أطفالها بصدق أكبر والانتقال إلى علاقة وطيدة معهم
لقد تم اختبار هذا التدخل في أحد الدراسات السريرية ولقد قمنا بدعوة عدة أشخاص قد أساؤوا للآخرين و أرادوا التصالح مع أنفسهم عن طريق الالتحاق في برنامج استشاري فردي مدته ثمانية أسابيع و من بين ٢١ شخصاً أكملوا العدد لقد تلقى العلاج فوراً ١٢ شخصاً والتسعة البقية كانوا على قائمة الانتظار ولقد أفاد أولئك الذين خضعوا للعلاج بأنهم تصالحوا مع ذاتهم وانشرحت صدورهم وتيسرت امورهم و كان ذلك ملحوظاً عن أولئك الذين كانوا في قائمة الإنتظار و في الواقع بعد الخضوع لهذهالتجربة اصبح الشخص الذي تلقى العلاج أكثر تصالحاً مع ذاته بحوالي ٩٠٪ من أولئك الذين كانوا في قائمة الانتظار وبالإضافة بمجرد خضوع أصحاب قائمة الانتظار للعلاج شعروا بعدها بالرضا والسلوان .
وبعد عدة أشهر من انتهاء الدراسة لقد تلقيت بريدًا إلكترونيًا من أحد العملاء سوف نطلق عليها اسم ( إزي) لقد كتبت رسالة شكر على الاستشارة و قالت أنها غيرت حياتها و خضعت إزي للعلاج لأنها كانت تكافح من الآثار المترتبة على وجود علاقة غرامية في وقت سابق من حياتها و بالإضافة إلى الشعور بالوحدة والانفصال عن عائلتها نتيجة الطلاق الذي أعقب ذلك، و ما زالت إزي تكافح من العار والشعور بالذنب من أفعالها ولقد دفعها هذا العار إلى الانسحاب من أطفالها ثم شعرت بمزيد من الذنب والعار لعدم قدرتها على رعايتهم وأن تكون الأم الصالحة لهم وفي بريدها الإلكتروني وصفت بالتفصيل كيف ساعدتها عملية التسامح مع الذات على تحمل مسؤولية الأحداث بطريقة مناسبة والانتقال من خلال ندمها نحو تجديد علاقاتها وأخبرتنا كيف تمكنت من مواجهة أطفالها بصدق أكثر والانتقال إلى علاقة وطيدة معهم بعد أن استسلمت وعملت من خلال لومها لذاتها والآن أصبحت حرة في التواصل معهم بطريقة جديدة وأن تكون الأم التي طالما حلمت أن تكون وتقوم بتلبية احتياجات أطفالها.
يمكن أن تكون المسامحة لمن حولنا ومسامحة النفس اللوامة فعالة جداً وقد تغير مجرى الحياة أو حتى مجرى العلاقات إنها ليست الحل الوحيد الذي يمكن للمرء أن يقدمه بعد الخوض في معتركات الأذى ولكنهُ الحل الأفضل وفعالٌ لإدارة الصراع الذاتي وخيبات الأمل في هذه الحياة.
إن التسامح واسع يشمل كلاً من الإساءة والتعاطف والرحمة اللازمين للمضي في الحياة من أوسع أبوابها وإن العفو الحقيقي لا ينعزل عن المسؤولية أو الجزاء أو حتى العدالة بحكم تعريفها فهي إدراك بأن ألماً وخطأً قد وقع في الوقتِ نفسه ويساعد التسامح على تجاوز الآلام والأحزان و ردود الفعل العاطفية والمرارة الغليظة التي يمكن أن تَنتُج.
ويُعلمنا التسامح بأن الطبيعة البشرية تخطئ والنفسُ أمارةٌ بالسوء فالمظلوم ربما كان يوماً ظالماً فإن كان لذلك دلالة على شيء فيدل على أننا نحتاج العفو سواءً إن كان عفواً عنا لنعيش أو حتى العفو عن الغير لنتعايش.
ومن وجهة نظر المترجم حول موضوع العفو:
إن العفو من الخصال الحميدة وهي أيضاً من خصال النُبلاء والأنبياء والعفو ليس ضعفاً إنما قوة.
* ففي الديانة الإسلامية
أُمر العباد بالعفو في مواضع كثيرة ولكن أهم موضع هو عفو الرسول محمد عليه الصلاة والسلام عن أهل مكة في الحديث الشريف فقالَ: يا محمَّدُ، إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ ،قد سمِعَ قولَ قومِكَ لَكَ، وما ردُّوا عليكَ، وقد بعثَ اللَّهُ ملَكَ الجبالِ لتأمرَهُ بما شئتَ فيهِم قالَ : فَناداني ملَكُ الجبالِ : فسلَّمَ عليَّ، ثمَّ قالَ : يا محمَّدُ: إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد سمِعَ قولَ قومِكَ لَكَ، وأَنا ملَكُ الجبالِ، وقد بعثَني ربُّكَ إليكَ لتأمرَني أمرَكَ، وبما شئتَ، إن شئتَ أن أُطْبِقَ عليهِمُ الأخشبَينِ فعلتُ، فقالَ لَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: بل أرجو أن يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصلابِهِم مَن يعبدُ اللَّهَ، لا يشرِكُ بِهِ شيئًا).
* وفي الديانة المسيحية
كان يسوع عليه السلام يطلب من الرب العفو ومغفرة ذنوب العباد فهم لا يعرفون ما يفعلون.
* وأما في الديانة اليهودية
يمتد جوهر التسامح في اليهودية من معرفة الله تعالى وامتثال صفاته، فهو غفور رحيم، وتخبر التوراة أنّ من يتصرف برحمة مع الناس وسائر المخلوقات يرحمه الله تعالى، والعكس صحيح أيضاً.
ترجمة : سلطانة العساف.
Comments