ربيب اللسان
ربيب اللسان
على مرّ الزمان واختلاف المكان وتتابع الأجيال وامتداد الأميال وتعدد الأجناس، لم يشهد العالم مهنة أنفع للمرء في علمه وعمله، وسعيه وعيشه أسمى وأجلّ من الترجمة. فلا تُنوّر البصائرُ، ولا تُزوّد المعارفُ، ولا تسمو حضارات ولا تجتمع ثقافات ولا تختلط لغات إلا بقيام ما يفسرها من لسان أهلها إلى لسانٍ آخر، ولا يقوم بها إلا صاحب مهنة عظيمة في شأنها، جزيلة في نفعها، سامية في قدرها ومقامها، شامخة متجلّية عن غيرها من المهن.
ولا يلبث المترجم في روض ما يقرأ حتى ينتقل منه كما ينتقل طائر بين بستان وبستان، فمن كلّ ريع يقتطف ثمارًا ويلتقط حصادًا، فيغتني مما جنى ليغذي مما اغتذى، فيرتفع بنفعه وانتفاعه. ويمدّ بعلمه جسورًا، ويشيّد قصورًا، ويجمع كنوزًا. والعلم إذا زاحم أمة رفعها حتى تناطح به قمم الجبال وعلوّ السحاب، لا تخشى على أبنائها خضوعًا من جهل ولا هوانًا من نقصان، ولا تضل ما عمّ فيها سعي المترجمين ومثابرتهم، واجتهادهم في النقل والنشر والتحرير والتفسير، والتزامهم بعملٍ متفانٍ لا يشوبه انتزاع حق، ولا افتراء قول، ولا افتضاح سرّ، ولا انتقاص قدر، ولا امتهان شعب. ومن حصائل الترجمة ما قد سلك طريقًا طويلًا قاصي المدى، تضرّست أوساطه وتصدعت أطرافه، فإذا جاوزه المترجم وأدرك منتهاه ظفر بعلمٍ فاق ما رامه وسعى إليه وأخرج عملًا وافيًا صب فيه بذل وسعه وجل ما استخلصه وانتهى إليه، فينتفع به من قصده والتمس فيه معرفةً واطلع عليه.
وحري بنا نحن المتعلمين أن نقف لهذه الكوكبة الشريفة شكرًا وإجلالًا، فلولاهم لما أُثريت لنا علومٌ ولا ازدهرت عقول. ورجونا أن تتزايد أعدادهم، وتنتشر أعمالهم، وتتضافر جهودهم، وترتفع مكانتهم، فبهم ترابطت أقطار العالم وتناقلت أخباره وتعارف أبناؤه، فهم جنود المعرفة لأوطانهم، وملوك الحكمة بألبابهم.
كاتبة المقال: لينة سعد الدوسري
تدقيق أول: ريف الحجي
تدقيق ثان: د.دولت ناضرة