الأخطاء اللغوية الشائعة: أتقويمٌ وتيسير أم تضليلٌ وتعسير
الأخطاء اللغوية الشائعة: أتقويمٌ وتيسير أم تضليلٌ وتعسير
لطالما سعى المترجم جهده وبذل وسعه كي يحسن عمله ويبلغ أمله، ومحالٌ أن يُنكر فضله أو يُوضع قدره ما دامت جهوده تصب في مصالح الأمة ومنافعها. ولا يحمل المترجم على كتفه عبء تبليغ الرسالة وحسب، فهو حاذرٌ مما يخل بلغته أو يخالفها، وينتهج أساليب وطرائق لإتقانها، ولكنّ الكمالَ أمرٌ يستحيل إدراكه ويتعذر امتلاكه، والخطأ واردٌ لا يمكن تلافيه ولا الميل عن الوقوع فيه. ويمر المترجم بعقبات تعيقه وتعرقل طريقه، منها مشكلة أثقلت كاهل كلّ من جعل اللغة له مسألة ومحلّ اهتمام وعناية، تلك مشكلة (الأخطاء اللغوية الشائعة) وأخصّ أخطاء اللغة العربية منها، إذ إن معظمها -للأسف- جزء مما جرى على ألسنتنا، وأصبح جزءًا من سليقتنا، فنصوّبه حين نتكلّف في حديثنا ونقع فيه حين نعود إلى طبيعتنا. وبعض علماء اللغة -أصلحهم الله- ومن سار على نهجهم يُخطئ الصواب أو يتزمت في تصويب الخطأ اليسير وما كان محلّ خلاف بين العلماء، وفي هذا تضييق للغة وتشتيت للناس، فيقع المترجم ضحية واهية لهم ويجد نفسه بين مؤيدٍ ومعارض، ومسامحٍ ومخالف، منذ بدايته في دراسة الترجمة حتى عمله في مجالاتها.
يقول ابن جني -رحمه الله- في المحتسب: " ليس ينبغي أن يطلق على شيء له وجه من العربية قائم، وإن كان غيره أقوى منه، أنه غلط". من الناس من يرفض الاشتطاط في تخطئة الألفاظ ورصّ أسطر من مقالات "قل ولا تقل"، ومنهم من يرى أن ثمة سببًا لذيوعها بين النّاس، فيقول عادل مصطفى في كتابه (مغالطات لغوية): "فإذا ما وجدت الخطأ المشهور أكثر جمالًا ووضوحًا وإبانة، فاعلم أن شهرته مشروعة مستحقة الجمال والوضوح والإبانة". فلا يصح الاهتياج على لفظ أو أسلوب لا يعرف العامة بأنه خطأ، بل إن رده إلى الصواب قد يشكل عليهم فهم المراد والمقصد.
وقد يعزو كثيرٌ من الناس بعض الأخطاء التي شاعت والأساليب التي لم ترد في تراثنا العربي إلى تقصير المترجمين، وفي هذا ضربٌ من نكران المعروف وإن صحّ شيء من قولهم؛ فما نجم ذلك إلا باجتهاد بشريّ محض، ومن شأن اللغات أن تتلاقح إذا تقاربت فتطاوعها الألسنة رغم التقعيد والتحكيم. وليس على مترجم اليوم أن يظن أن الخطأ الشائع سيمحق لغته ويرديها، بل إن لغته ثريّة بما فيها ومحفوظة في وحيٍ إلهي عظيم.
فعلى الناس انتهاج سبيل التيسير والترغيب والاعتدال في الحكم والتصويب، والاعتراف بالخلاف في المسألة والإشكال، وهذا يخفف عن المترجم ما ثقل عليه وأنهكه، ويهوّن ما صعب عليه وأجهده.
المحتسب (336/1) لأبي الفتح عثمان بن جني الموصلي
مغالطات لغوية لعادل مصطفى ص143
كتابة: لينة
تدقيق أول: عزيزة العنزي